مقدمة:الخشوع الإمام أبو حنيفة 

من أجمل القصص التي تُروى عن العلماء والصالحين، تلك التي تكشف لنا عمق إيمانهم وخشيتهم من الله عز وجل. ومن هذه القصص المضيئة قصة الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله عندما صلى العشاء خلف مؤذن مسجده، فسمع تلاوةً هزّت قلبه وأبكته حتى الفجر.

القصة: ليلة خشوع الإمام أبو حنيفة مع سورة الزلزلة

خشوع الإمام أبو حنيفة : يقول المؤذن:
صليت العشاء ليلةً خلف الإمام أبي حنيفة رحمه الله، فقرأت في الصلاة سورة الزلزلة:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًۭا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ شَرًّۭا يَرَهُۥ

فلما انتهت الصلاة وخرج الناس من المسجد، لم يبقَ إلا الإمام والمؤذن.
يقول المؤذن: نظرت إلى أبي حنيفة، فوجدته جالسًا يتفكر ويتنفس بعمق، كأن الآية تسكن في قلبه.
قلت في نفسي: أتركه حتى لا يشغل باله بي.
فخرجت من المسجد وتركته ومعه القنديل الذي لم يكن فيه إلا قليل من الزيت.

يقول المؤذن:
رجعت مع طلوع الفجر، فإذا الإمام لا يزال في مكانه، يردد بخشوع:

“يا من يجزي بمثقال ذرة خيرًا خيرًا،
ويا من يجزي بمثقال ذرة شرًا شرًا،
أجرِ النعمان عبدك من النار، وأدخله في سعة رحمتك.”

نظرت إلى القنديل، فإذا هو ما زال مضيئًا!
فقال لي الإمام وهو يظن أن الليل لم ينتهِ بعد:

“أتريد أن تأخذ القنديل؟”
فقلت له: “لقد طلع الفجر يا إمام.”
فقال أبو حنيفة: “اكتم عني ما رأيت.”
ثم قام فركع ركعتين، وجلس معنا ليصلي الفجر بوضوء العشاء.
يقول المؤذن: “ولم أُخبر أحدًا بهذه القصة إلا بعد وفاته رحمه الله.”

الدروس المستفادة: العبرة من خشوع الإمام

• خشية العلماء هي سرّ نورهم وبركتهم.
• تدبر القرآن يورث الخشوع الحقيقي، وليس مجرد القراءة.
• الإخلاص في العبادة يجعل العبد يستشعر قربه من الله حتى ينسى الدنيا وما فيها.
• علينا أن نقف عند آيات الله كما وقف الإمام أبو حنيفة، متفكرين في مصيرنا وأعمالنا.

خاتمة: دعاء وطلب الخشية الحقيقية

ما أروع أن نتعلم من سيرة العلماء كيف كان القرآن يهز قلوبهم ويغير حياتهم.
فنسأل الله أن يرزقنا تدبرًا كهذا التدبر، وخشيةً كهذه الخشية، وإيمانًا يملأ قلوبنا كما ملأ قلب الإمام أبي حنيفة النعمان.